بسم الله الرحمن الرحيم
عمرته صلى الله عليه وسلم
اعتمر صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة أربع عمر كلهن في ذي القعدة.
الأولى: عمرة الحديبية سنة ست , فصده المشركون عن البيت , فنحر وحلق حيث صد هو وأصحابه وحلوا .
الثانية: عمرة القضية في العام المقبل دخلها , فأقام بها ثلاثا , ثم خرج .
الثالثة: عمرته التي قرنها مع حجته .
الرابعة: عمرته من الجعرانة , ولم يكن في عمره عمرة واحدة خارجا من مكة , كما يفعله كثير من الناس اليوم , وإنما كانت عمره كلها داخلا إلى مكة , وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشر سنة لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجا من مكة , ولم يفعله أحد على عهده قط إلا عائشة , لأنها أهلت بالعمرة , فحاضت فأمرها فقرنت , وأخبرها أن طوافها بالبيت وبالصفا والمروة قد وقع عن حجها وعمرتها , فوجدت في نفسها أن ترجع صواحبها بحج وعمرة مستقلين , فإنهم كن متمتعات , ولم يحضن , ولم يقرن , وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها , فأمر أخاها أن يعمرها من التنعيم تطييبا لقلبها , وكانت عمره كلها في أشهر الحج مخالفا لهدي المشركين فإنهم يكرهون العمرة فيها , وهذا دليل على أن الاعتمار في أشهر الحج أفضل منه في رجب بلا شك , وأما في رمضان , فموضع نظر , وقد صح عنه أن عمرة في رمضان تعدل حجه وقد يقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتغل في رمضان من العبادات بما هو أهم من العمرة مع ما في ترك ذلك من الرحمة لأمته , فإنه لو فعل لبادرت الأمة إلى ذلك , فكان يشق عليها الجمع بين العمرة والصوم , وكان يترك كثيرا من العمل وهو يحب أن يعمله خشية المشقة عليهم .
ولم يحفظ عنه أنه اعتمر في السنة إلا مرة واحدة , ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد الهجرة إلا حجة واحدة سنة عشر , ولما نزل فرض الحج , بادر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تأخير , فإن فرضه تأخر إلى سنة تسع أو عشر . وأما قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196] فإنها وإن نزلت سنة ست , فليس فيها فريضة الحج وإنما فيها الأمر بإتمامه وإتمام العمرة , بعد الشروع فيهما .